الوصية الاولى لأمير المؤمنين لابنه الحسن المجتبى صلوات الله عليهما

اسم النشيد:: الوصية الاولى لأمير المؤمنين لابنه الحسن المجتبى صلوات الله عليهما

اسم المنشد : القارئ حسين الشريف

اسم التصنيف:

عدد الزوار : 62

تاريخ الاضافة: 2025-06-14 23:14:22

مشاركة الملف التعريفي:



الوصية الاولى لأمير المؤمنين لابنه الحسن المجتبى صلوات الله عليهما

.. وصيّته لولده الحسن صلوات الله عليهما تشبه الملاحم

كَيْفَ وَأنَّى بِكَ يا بُنَيَّ إذا صِرْتَ في قَوْمٍ، صَبِيُّهم غاوٍ، وَشابُّهُم فاتِكٌ، وشَيْخُهُم لا يأمُرُ بِمَعْروفٍ، وَلا يَنْهى عَنْ مُنْكَرٍ، وَعالِمُهُمْ خَبٌّ مَوَّاهٌ مُسْتَحوِذٌ علَيهِ هَواهُ، مُتَمَسِّكٌ بعاجِلِ دُنْياهُ، أشَدُّهُمْ عَلَيْكَ إقْبالاً يَرْصُدُكَ بالغَوائِلِ، ويَطْلُبُ الحِيْلَةَ بِالتَّمنّي، وَيَطْلُبُ الدُّنيا بِالاجتْهادِ، خَوْفُهُم آجِلٌ، وَرَجاؤهُمْ عاجِلٌ، لا يَهابُون إلّا مَنْ يَخافُونَ لِسانَهُ، وَيَرجُونَ نَوالَهُ، دِينُهم الرِّياء، كُلُّ حَقٍّ عِنْدَهُمْ مَهْجورٌ، وَيُحِبُّونَ مَنْ غَشَّهُم، وَيَمُلُّون مَن داهَنَهُمْ، قُلُوبُهُمْ خاوِيَةٌ.

لا يَسْمَعونَ دُعاءً، وَلا يُجيبُونَ سَائِلاً، قَد اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الغَفْلَةِ، إنْ تَرَكْتَهُمْ لا يَترُكُون، وَإن تابَعْتَهُمِ اغْتالُوك، إخوانُ الظَّاهِرِ، وَأعْداءُ السِّرِ،

يَتَصاحَبُونَ على غَيرِ تَقْوى، فَإذا افتَرَقُوا ذَمَّ بَعضُهُم بَعْضَا، تَموتُ فيْهُمُ السُّنَنُ، وَتَحْيى فِيهِمُ البِدَعُ، فَأحْمَقُ النَّاسِ مَنْ أسِفَ عَلَى فَقْدِهِمْ، أو سُرَّ بِكَثرَتِهِمْ.

فَكُنْ يا بُنَيَّ، عِندَ ذلِكَ كَابْنِ اللَّبُونِ لا ظَهْرَ فيُرْكَبْ، وَلا وَبَرَ فَيُسْلَبْ، وَلاضَرْعَ فَيُحْلَب.

فما طِلابُكَ لِقَوْمٍ إن كُنتَ عالِما أعابُوكَ، وَإنْ كُنْتَ جاهِلاً لَمْ يُرْشِدُوكَ، وَإنْ طَلَبْتَ العِلْمَ قالوا: مُتَكلِّفٌ متَعَمِّقٌ، وَإنْ تَرَكْتَ طَلَبَ العِلْمِ قالوا: عاجِزٌ غَبِيٌّ، وَإن تَحَقَّقْتَ لِعبَادَةِ رَبِّكَ قالوا: مُتَصَنِّعُ مُراءٍ. وَإن لَزِمْتَ الصَّمْتَ قالوا: ألْكَنٌ، وَإنْ نَطَقْتَ قالوا: مِهْذارٌ، وإن أنفَقْتَ قالوا: مُسْرِفٌ، وَإنِ اقْتَصَدْتَ قالوا: بَخيلٌ، وإنَ احْتَجْتَ إلى ما في أيْديهِمْ صارَمُوكَ وَذَمُّوكَ، وَإنْ لَمْ تَعْتَدّ بِهِمْ كَفَّرُوكَ، فَهذهِ صِفَةُ أهْلِ زَمانِكَ، فَأصْغاكَ مَنْ فَرَغَ مِنْ جَوْرِهِم، وَأمِنَ مِنَ الطّمَع فِيهِم، فَهْوَ مُقْبِلٌ عَلَى شأنِهِ، مُدارٍ لأهْلِ زَمانِهِ.

وَمِنْ صِفَةِ العالِمِ ألّا يَعِظَ إلّا مَنْ يَقْبَلُ عِظَتَهُ، وَلاَ ينْصَحُ مُعْجَبَا بِرَأيْهِ، ولا يُخْبِرُ بما يَخافُ إذاعَتَهُ.

وَلا تُوْدِعَ سِرَّكَ إلّا عِنْدَ كُلِّ ثِقَةٍ، وَلا تَلْفِظَ إلّا بِما يَتَعارَفونَ بهِ النَّاسُ، ولا تُخالِطْهُمْ إلّا بِما يَعقِلونَهُ، فَاحْذَر كُلَّ الحَذَرِ، وَكُنْ فَرْدَا وَحيْدَا.

وَاعْلَم؛ أنّ مَنْ نَظَرَ في عَيْبِ نَفْسِهِ شُغِلَ عَنْ عَيبِ غَيْرهِ، وَمَن كابَدَ الأُمورَ عَطِبَ، وَمَنْ اقْتَحَم اللُّجَجَ غَرِقَ، وَمَنْ أُعْجِبَ بِرَأيهِ ضَلَّ، وَمَنِ استَغْنى بِعَقْلِهِ زَلَّ، وَمَنْ تَكَبَّرَ على النَّاسِ ذَلَّ، وَمَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ بهِ، وَمَنْ كَثَّرَ مِن شَيءٍ عُرِفَ بهِ، وَمَنْ كَثُرَ كلامُه كَثُرَ خَطؤهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطؤهُ قلَّ حَياؤهُ، وَمَنْ قَلَّ حَياؤهُ قلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قلَّ ورَعُهُ قَلَّ دِينُهُ، وَمَن قلَّ دِينُه مَاتَ قَلْبُهُ، وَمَن ماتَ قَلْبُه دَخَلَ النَّارَ.[1]

 



[1]. نهج البلاغة، الحكمة 349.

متعلق ب ادعــيــة واذكـــــار